مقابلة صحفية مع وزير التعليم العالي د.عبد ذياب العجيلي
عبد العظيم محمد: كثيرة هي التداعيات التي يعاني منها العراق عقب احتلاله منذ خمس سنوات، وكثيرة هي مفاصل الحياة التي تأثرت وتراجعت نتيجة هذا الواقع الجديد. التعليم العالي ومؤسساته نالها نصيب وافر من التأثر حيث عانى ولا يزال في كل أركانه التي يقوم عليها، العلماء والأكاديميون وأساتذة الجامعات ذاقوا الأمرين خلال هذه الحقبة السوداء في حياتهم، فهم ما بين عمليات الاغتيال التي طالت الكثيرين منهم وما بين التهجير القسري سواء بالتهديد المباشر أو نتيجة تداعيات الوضع الأمني والاجتماعي السيء. أما المؤسسات التعليمية فهي تفتقر إلى كل مقومات التعليم وخصوصا الأقسام العلمية منها هذا فضلا عن انعكاسات الواقع الطائفي الذي يعيشه العراق في عهده الجديد على واقع الجامعات وإداراتها والذي يرسم أسوأ صور التداعيات الطائفية التي برزت وطفت على السطح في السنوات الأخيرة. للتعرف أكثر على واقع التعليم العالي في العراق معنا في حلقة اليوم من المشهد العراقي من بغداد الدكتور عبد ذياب العجيلي وزير التعليم العالي المستقيل، وقبل الحوار نبدأ بهذا التقرير الذي أعده حامد حديد.
حامد حديد: منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وحقل التعليم مثل غيره من حقول الحياة يتعرض إلى التشويه والتخريب وتحولت فصول الدراسة في بعض المدارس والجامعات إلى أماكن يمارس فيها البعض هواياتهم في تشكيل الذهنية الطائفية للتلاميذ والطلاب، وأصبح الحرم الجامعي لكثير من الجامعات مسرحا للنزاعات المذهبية والطائفية السياسية على مرأى ومسمع من حكومات ما بعد الاحتلال، واتسع نشاط الميليشيات ليدخل في توجيه مسار العملية التعليمية عن طريق سرقة أسئلة الامتحانات العامة واحتلال المراكز الامتحانية وإجبار الأساتذة على إملاء الإجابات للطلبة بهدف ضمان حصولهم على درجات تضمن لهم القبول في كليات الطب والهندسة والعلوم على حساب أقرانهم من الطوائف الأخرى، وهي جريمة ستؤدي إلى تقويض العملية التعليمية وتضعف ثقة الجامعات العالمية بشهادة الطالب العراقي. أما المناهج التعليمية فلم تكن بمنأى عن التدخلات الطائفية التي تسعى إلى تشويه كتب التربية الدينية واللغة العربية والتأريخ بقصص وروايات ستسهم في تنشئة الأجيال على الأفكار والمفاهيم الطائفية. ولكي تكتمل عناصر ما يراها البعض مؤامرة تستهدف العملية التعليمية في العراق تصاعدت هيمنة الأحزاب والقوى السياسية الطائفية على الجامعات وأصبح الأساتذة والأكاديميون هدفا مطاردا داخل الحرم الجامعي وخارجه، بل إن بغداد شهدت وفي واضحة النهار عملية خطف نحو 150 من موظفي دائرة البعثات التابعة لوزراة التعليم على أيدي عصابات ترتدي زي الأجهزة الأمنية العراقية وتستقل سياراتها ليعثر على بعضهم جثثا مشوهة بينما لم يزل البعض الآخر إلى اليوم في عداد المفقودين. رابطة الأساتذة الجامعيين التي اغتيل رئيسها هو الآخر حاولت رسم مشهد المؤامرة فأشارت إلى مقتل أكثر من 500 شخصية علمية وتهجير نحو 17 ألف أكاديمي وتدريسي عراقي منذ الغزو الأميركي للعراق ضمن مسلسل ملاحقة العقول العلمية الذي يهدف إلى إفراغ العراق من عقوله وذخيرته الثقافية والفكرية أو إجبارها عن طريق التهديد والتخويف على مغادرة البلاد.
واقع التعليم العالي وانعكاسات الوضع الأمني عليه
عبد العظيم محمد: بعد هذا الرصد السريع لواقع التعليم العالي في العراق، دكتور العجيلي أريد أن أبدأ معك بالسؤال عن واقع التعليم العالي في العراق، وأنت الخبير في هذه الموضوع، كيف تصف هذا الواقع؟
عبد ذياب العجيلي: بسم الله الرحمن الرحيم. ممكن أن نعطيك نبذة، في الحقيقة منذ فترة الحصار كان التعليم العالي في العراق من أفضل ما موجود في المنطقة ولكن بعد الحصار على العراق في التسعينيات عانى التعليم العالي ما عاناه من حظر على الأجهزة وهجرة أيضا كثير من العقول ثم بعد ذلك جاء الاحتلال، وطبعا عندما جاء الاحتلال واحتل البلد فتم حقيقة تدمير الجامعات وسرقات وحرق الكثير من المختبرات والأجهزة العلمية، وطبعا استمر الوضع بهذه الحالة المأسوية وجاء قانون اجتثاث البعث فكثير من الخبرات الجيدة، الخبرات الإدارية تم إبعادهم عن التعليم العالي ثم بعد ذلك جاءت الحرب اللي هي الحرب الطائفية، وكثير من الناس العلماء الخبراء اللي في التعليم العالي أيضا تم استهدافهم وكثير منهم تم تهجيرهم وكثير منهم ترك البلد وخرج إلى خارج العراق، وقسم من عندهم بالحقيقة نقلوا من محافظة إلى محافظة، من جامعة إلى جامعة داخل العراق، يعني صار هناك خلل في الحقيقة في التركيبة التعليمية والبنية التحتية للجامعات العراقية..
عبد العظيم محمد (مقاطعا): دكتور لو تحدثنا عن انعكاسات الوضع الأمني، الوضع الأمني بالتأكيد هو سيء في العراق، انعكاسات هذا الوضع على الواقع التعليمي العراقي، كيف انعكس؟
عبد ذياب العجيلي: لا هو شوف الوضع الأمني هو الأساس في كل شيء، يعني الأمور الأخرى أنت ممكن أنه تحصنها وممكن تحصن على المعدات والأجهزة وتعيد بناءها ولكن الوضع الأمني بالتأكيد الوضع الأمني سيء ولذلك هذا الوضع الأمني أدى إلى أن يكون هناك في الحقيقة تدهور في العملية التعليمية، الأساتذة لا يستطيعون أن يصلوا إلى محاضراتهم في الوقت المحدد، الطلبة، لكن أريد أن أبين لك أيضا، بالحقيقة هذا لا ينعكس على كل الجامعات العراقية، في هناك جامعات في العراق نوعا ما فيها استقرار ولم تحدث فيها سرقات، يعني جامعة الموصل، جامعة تكريت، جامعة الكوفة، جامعة بابل، جامعات كثيرة لم يحدث فيها سرقة ولم تصلها في الحقيقة الطائفية، ولكن الجامعات التي تأثرت تأثرا كبيرا جدا، اللي هي الجامعات اللي في بغداد، واللي عندنا في الحقيقة خمس جامعات..
عبد العظيم محمد: في بغداد؟
عبد ذياب العجيلي: نعم اللي في بغداد هي أسوأها وفي البصرة أيضا وفي الموصل إلى حد ما هو يعني استهداف الأساتذة لكن لم يحدث هناك كما حدث في جامعة بغداد..
عبد العظيم محمد (مقاطعا): سأسألك بالتأكيد على انعكاسات الوضع الطائفي خاصة في بغداد وانعكاساته على الجامعات العراقية، لكن نقطة مهمة هي قضية الأكاديميين والعلماء العراقيين أكثر ما يهددهم في هذه الحقبة هي عمليات الاغتيال، يعني ما حقيقة هذا الموضوع؟ هل النسب التي تذكر هي نسب حقيقية؟ هل الحديث عن عمليات تهجير وقتل هو حديث واقعي حقيقي؟
"
عدد كبير من أساتذة الجامعات تم تهجيرهم، واغتيال 250 أستاذا جامعيا والقضية تسجل ضد مجهول
"
عبد ذياب العجيلي: بالتأكيد هو.. شوف ماكو هناك مثل ما يقول بالمثل، نار بدون دخان، فبالتأكيد هناك عمليات تهجير، وعدد كبير الحقيقة من الأساتذة تم تهجيرهم، وليس فقط الأساتذة، الأساتذة، الأطباء وكثير من الناس الآخرين ذوي المهن التي تخدم وتبني البلد، هؤلاء تم تهجيرهم في الحقيقة وتم اغتيال عدد كبير من الأساتذة. الرقم الأخير في الحقيقة لم يصلني ولكن بحدود 250 أستاذ جامعي تم اغتياله ولكن المشكلة أيضا والعقبة الحقيقية أنه يغتال والتهمة تكون ضد مجهول، هذه حقيقة المشكلة الكبيرة لأنه إذا أنت أعلنت نفسك الفاعل أو القاتل فمعنى ذلك أن هذه العمليات ستستمر لفترة طويلة.
عبد العظيم محمد: من خلال عمليات التحقيق يعني ألم يتم التوصل إلى الجهة التي تقف وراء هذه العمليات؟ هل هناك شكوك حول جهة محددة؟
عبد ذياب العجيلي: شوف في الحقيقة أنا أستطيع أن أقول هناك جهات متعددة في الحقيقة قد تكون منها جهات خارجية وجهات قد لا تريد للعراق أن يستقر وجهات قد لا تريد في الحقيقة للمحتل اللي هي القوات الأميركية أن تأخذ وضعها في العراق وجهات أخرى في الحقيقة مستفيدة اللي هي .. هو اللي يُقتل يقتل بأيدي الحقيقة عراقية، فمعنى ذلك أن هناك أسبابا، وهناك في بعض الأحيان قد يكون سبب تافه، يعني ممكن أنه أستاذ لم يعط الطالب الدرجة التي يريدها وممكن أن يقتل بهذه الطريقة، هناك ناس يعني معدومي الضمائر..
عبد العظيم محمد (مقاطعا): هل هناك دوافع طائفية خلف هذا الموضوع؟
عبد ذياب العجيلي: بالتأكيد هناك دوافع طائفية، ولكن الحقيقة أنا بس أريد أن أقول أنا يمكن أكون أكثر دقة إذا قلت دوافع حزبية وليست طائفية لأن هناك بعض الأحزاب المتنفذة ممكن هي التي تقوم بعمليات الاغتيال وليس فقط أن هذا يقتل لأنه ينتمي إلى طائفة كذا أو طائفة كذا، ولكن يقتل لأنه لا يسير وفق..
عبد العظيم محمد (مقاطعا): ما مصلحتها من وراء هذا الاغتيال؟
عبد ذياب العجيلي: والله مصالح كثيرة، أولا تصفية العقول اللي موجودة في البلد لأن هذا العقل من طائفة أخرى، أو بعبارة أخرى في بعض الأحيان حتى ممكن هذا الشخص عنده منصب معين ويمكن أنهم يريدوا يتخلصوا من هذا الشخص فيقتلوه، فإذا هي أستطيع أن أقول عليها هي حزبية أكثر مما هي طائفية.
عبد العظيم محمد: طيب تعويض هؤلاء العلماء الذين يقتلون أو الذين يهجرون، هل الوزارة قادرة على تعويض هذه الكفاءات، هذه النسب الكبيرة من الأكاديميين؟
عبد ذياب العجيلي: يعني الإنسان هذا في الحقيقة ثروة للبلد وتعويضه لا يمكن وخسارة بحد ذاتها ولكن ماذا تستطيع أن تعمل، بالتأكيد أنت تعمل ضمن الإمكانيات المتاحة، لذلك فتحنا باب الدراسات العليا اللي هي الماجستير والدكتوراه ويتم بالحقيقة تعويض الأساتذة اللي يتم اغتيالهم أو تهجيرهم بالطاقات الجديدة، لكن بالتأكيد هؤلاء الناس اللي تم تهجيرهم أو اللي تم اغتيالهم هم خبرات بالحقيقة جيدة وذوو خبرة عريقة، وأيضا بالحقيقة اللي يقتلوا ..جميع اللي قتلوا يكونون بمستوى متميز في المجتمع وفي المجالات العلمية والبحث العلمي والإسهامات في بناء الدولة.
يتبع..................................